الاثنين، 19 يناير 2009

الرسالة الثانية والثلاثون الى الانسان في هذا العالم

الديموقراطية وقوى المال
ان الديموقراطية حتى تتحدى قوى المال التي تمتلك كل وسائل الغلبة ,وحين تقاوم استسلام الدولة لهذه القوى,فانها تكشف عن أروع خصائصها ومزاياها .
انها تلهم الناس مواقف الرشد,وتمنحهم من الطمأنينة والامن الشجاعة مايجعلهم قادرين على صد طغيان الدولة ورأس المال معا.
لقد وقف رئيس المحكمة القاضي "هاريس" يعلن من فوق منصة القضاء مايأتي:
عندما وُجه الاتهام لبعض الجماعات اليسارية في أمريكا بما فيها من تلفيق وتجريح.....الخ
أعلن: "ومثل هذه البيانات لايمكن ان تنهض في المحكمة التي أرأسها فأنا أمقت الجواسيس والمخادعين وكذلك يفعل الشعب الأمريكي".!
وازداد الموقف بهاء وعظمة تكتسبها الديموقراطية عن جدارة بموقف رئيس المحكمة نفسها التي شكلت لمحاكمة الشيوعيين هؤلاء.
ولكن الديموقراطية مكنت الرجل نفسه من أن يغشى الأندية محاضرا حول اتهامه ذاك ومنددا بالكبار الذين تآمروا على الوطن في سبيل أرباحهم ومصالحهم ومكنته ان يؤلف كتابا حول هذا الموضوع,ومكنته من ان يجد رأيا عاما يسانده وصحافة تتبنى دعوته,وتتهم "هاري ترومان"بعجزه عن مقاومة سادة المال من أمثال "فورد" و "كوفان" و"ليند بيرج",وتكشف النقاب علنا عن تقرير المدعي العام وعن الكبار الذي يتهمهم التقرير.
لقد كان "ترومان"بعتبر نفسه وهو رئيس الولايات المتحدة الممثل الأمين لمصالح رجال المصارف والصناعةو المال وسفيرهم لدى الدولة..
وكان لايزال يملك بقايا من السلطة الاستثنائية التي كانت ممنوحة لرئيس الدولة ابان الحرب.
كان معه سلطة الدولة كلها...ومع هذا فقط هزمه سلطان الديموقراطية,ووضع الرأي العام حدا لمهازله ومهازل المكارثية معه وانه لشيء باهر حقا ان نرى حاكم احدى الولايات وهو "آلمر بينسون" حاكم ولاية "منيوسيتا" يلقي خطابا في اجتماع شعبي هائل عام 1948 متحديا به الرئيس "ترومان" فيقول :"بعد غد تنقضي ثلاثة أعوام على وفاة فرانكلين روزفلت,وقد حدثت خلال هذه المدة القصيرة تغيرات عميقة مشؤومة في بلادنا.ذلك بأن أمتنا خطت في عهد الرئيس روزفلت الذي دام ثلاث عشرة سنة خطوات واسعة في سبيل الفوز بأسلوب حياة آمن مطمئن جدير بأن يجعل للعيش معنى.ولكن حكومة الولايات المتحدة مالبثت ان وقعت بعد وفاة روزفلت في ايدي تلك الزمرة البالغة النفوذ ,والتي كان الرئيس السابق يدعوها ــ جماعة الملكيين الاقتصاديين ــ اذ وفقت هذه الزمرة الى السيطرة على الحزبين الرئيسيين جميعا فقد سعت ان تبسط سلطانها على السوق العالمية كلها ولو ادى ذلك الى توريط بلادنا في حرب عالمية جديدة.ولما كان جزء من حملتهم يشن باسم الجهاد ضد الشيوعية,فقد قاموا بهجوم عنيف على حقوق المواطنين الامريكيين المدنية والسياسية.زعندما تنتهي حكومة ما الى ان تصبح غير ممثلة للشعب وعندما يصبح الرجال القابضون على أزٍمّة السلطان السياسي أجراء يخدمون مصالح القلة ذات الامتياز, يكون الوقت قد حان للتنكر لتلك الحكومة واقصائها عن السلطة وها هو ذا الوقت حان "!!.
لقد سقت واقعة من وقائع كثيرة لأدلل بها ان الديموقراطية وتلك أعظم مزاياها تتيح للشعب من الامن والشجاعة والتربية السياسية,مايجعله قادرا عن طريق مفكريه وكتابه وصحافته ومؤسساته وقادته وناخبيه على مواصلة السعي لاعلاء كلمة جماهير الامة.
ويأتي السؤال :ماذا صنعت الديمواقراطية أكثر من اتاحتها فرصة القول والمعارضة للناس...؟
هل مكنت ارادة التغيير من ان تنحي نهائيا ديكتاتورية تسلط رأس المال على مقدرات الدولة والامة...؟
ماذا فعل اولئك الذين مكنتهم الديموقراطية من التشهير بقوى المال والصناعة المتسلطة والذين وقفوا في وجه ترومان.
هل غيرت الديموقراطية من أسس النظام الاجتماعي القائم على سيادة "رأس المال"شيئا ..؟
انه سؤال في وضعه ... ومادمنا نستمسك بحياد الفكر وامانته فلابد من ايراده .
والاجابة ذات شطرين :
الشطر الأول: سبق الحديث ان للديموقراطية وسائلها المستمدة من خصائصها فهي لاتستطيع ان تقاتل "التنين" بوسائل "التنين" ذاته,والا اصبحت تنينا مثله.
ان مهمتها السياسية ان تجعل كلمة الامة والدستور هي العليا ,ومهمتها التربوية ان تملأ أفئدة المجتمع حاكمين ومحكومين بالولاء التام لمشئية الامة ولكلمة الدستور ولما يتفرع عن ذلك من قوانين عادلة ووسيلتها دوما الاقناع لا الاكراه .
وهذا يفضي بنا الى الشطر الثاني من الاجابة:وهو ان الديموراطية شأنها شأن كل قوى الخير في الحياة الانسانية,ولابد ان تجابهها تحديات كثيرة ,ولابد ان تتلقى هجوما مستمرا من اصحاب الامتيازات التي تصمم على دحضها .
وعند اذن لايتمثل معيار نجاحها في عدد قتلاها ,بل في عدد المبادىء التي تخرج بها من المعركة سليمة نقية.
ان عدد الاهداف التي تصيب مرمى العدو,لايهم الديموقراطية بقدر مايهمها عدد الضربات النظيفة التي توجهها ومستوى الوسائل التي تحقق بها أغراضها .
وهي لاتستهدف قط افناء عدوها...انما يعنيها ان تنزع الخنجر المسموم من قبضته ,معلمة اياه ان السبيل الوحيد لكي يحيا حياة عادلة طيبة هو ان يواجه الحياة بعقله لابخنجره.
وهي كمنهج متكامل لتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية معا ,لتوزيع المسؤولية والثروة معا..لتوطيد سيادة الامة والقانون معا,لتربية الشعب والحكومة معا.
وعندما تحصل الديموقراطية على حق من حقوقها فعليها الا تخسره بعد ذلك ابدا مهما حاولت القوى المعادية لها ان تستعيده.
ولقد يتهم بعض الناس الديموقراطية بالبطء وبالعجز ,بيد ان هذا الاتهام ناجم عن عدم ادراك الفارق الكبير بين التغيير القانوني والتغيير الثوري ...فالأول هو أداة الديموقراطية ووسيلتها,على انه حين يصير التغيير الثوري ضرورة تاريخية في بلد ما فاننا نجد الديموقراطية هي المناخ الذي يمد هذا التغيير بقوة الانطلاق.
ان السلطة في بلد كالولايات المتحدة ــ أي الحكومة ــ تنهض على اسس برلمانية فهناك برلمان منتخب وهناك معارضة منظمة وهناك قانون يحاول ان يفرض احترامه ,وحكومة تستمد وجودها من ثقة ممثلي الشعب بها.
بيد ان "الدولة"هناك لاينهض وجودها على اساس ديموقراطي لان الدولة تعني جوهر السيادة وجوهر السيادة هناك لا يستمد حقيقته من الشعب بقدر مايستمده من القوى الهائلة لارباب المال والصناعة.
الامر الذي حاول الرئيس الاسبق روزفلت ان يكبح جماحه حين وقف يقول في افتتاح الكونجرس الامريكي عام 1935 : "لقد فوضنا الشعب تفويضا صريحا بأن نحمل الامريكيين على الاقلاع عن فكرة اكتساب الثروة عن طريق الربح الفاحش اكتسابا يؤدي الى فرض النفوذ الشخصي غير العادل على الشؤون الخاصة ومن ثم على شؤوننا العامة ايضا مع عظيم الاسف."
ولذلك أرى وان لم يعجب هذا الرأي البعض ان الحرب ألأهلية الامريكية مثلا لم يعلنها الشمال على الجنوب ,ولا الجنوب على الشمال وانما اعلنتها الدولة على الحكومة..!!
اجل ان الحرب الاهلية مثلا كانت في حقيقتها حربا بين الدولة في أمريكا والحكومة في أمريكا .كانت حربا بين "سلطة السيادة" التي يمسك بيها امساكا غير منظور جباة المال والمصالح الخاصة وبين سلطة "القانون"الذي تمثله الحكومة.
ان تلك الحرب التي دارت رحاها من اجل تحرير الرقيق انما نشأت من أسباب عدة ابعد غورا وحينما نقرأ تاريخها الحقيقي نجد ان تحرير الرقيق كان نتيجة لها أكثر مما كان سببا فيها.
اما السبب الحقيقي ,فقد كان ذلك النزاع الضاري والتعارض الحاد بين المصالح الاقتصادية لاهل الشمال والمصالح الاقتصادية لاهل الجنوب.
فأهل الشمال تحتم مصالحهم الاقتصادية رفع نسبة الحماية الجمركية حتى يستطيعوا دعم صناعتهم الناشئة وحمايتها.
وأهل الجنوب تحتم مصالحهم الاقتصادية خفض الرسوم الجمركية حتى يستطيعوا ان يُصرّفوا أقطانهم ومنتجاتهم الزراعية.
ولقد تمكن سادة هذه المصالح في كل من الشمال والجنوب من الاستحواذ على سلطة السيادة اي الدولة فورطوا الحكومة في حرب.
انها حرب شنتها المصالح الخاصة لكبار رجال الصناعة في الشمال والزراعة في الجنوب ضد القانون ,عندما رأى كل فريق من اصحاب هذه المصالح ان القانون لن يكون في صفه وحده ضد الجانب الاخر .
حرب بين السيادة او الدولة التي تستحوذ عليها طبقة خاصة ضد "الحكومة"التي تلزمها مسؤولياتها ان تعمل لصالح جميع الطبقات .
ان كل الحروب في النتيجة انما كانت تعلنها الدول وتسخر لانجازها الحكومات...!!!
فالحكومة بالنتيجة تستلهم طوعا او كرها سلطة السيادة.
والصراع القائم بين سلطة المال وسلطة القانون في بلاد كالولايات المتحدة انما هو في مجموعه صراع بين سلطة السيادة التي هي "الدولة"وبين "الحكومة" التي تقوم على اساس ديموقراطي .
ولو ان الحكومة تصير من القوة والتفوق بحيث تنتزع السيادة التي هي من حقها باعتبارها الاداة التنفيذية لارادة الشعب والقانون اذا لما تعرضت الديموقراطية للمأزق الذي تعانيه بسبب تسلط سلطة المال على سلطة السيادة .
وهذا التناقض يولد النقص في نفوذ الديموقراطية ويقيد حركتها .
بيد ان هذا النقص اذا كان سببه الرئيسي تسلط راس المال بكل طاقته وجبروته,فان ثمة اسباب أخرى تعمل الى جانب السبب الرئيسي هذا ...
وتعرقل بدورها نمو الديموقراطية واتساع نفوذها الحقيقة ذكرني هذا كله بما يسمى الحقبة السوداء وهوفر ــ وقائمة النصف مليون شخص الذين اعتبرتهم وزارة العدل خطرين بسبب من معتقداتهم السياسية اوالاجتماعية .
ولاأنسى مبدأ ترومان عام 1947 و "مرسوم الولاء"ومجالس الولاء التي تناهت في السخرية بحرية الضمير !!
ياترى هل تحولت الولايات المتحدة التي تفخر بنظامها الديموقراطي الى عهد هوفر ومرسوم الولاء,وهل يتوقع احد النتيجة التي سنصل اليها في مثل هذه الاجواء من الديموقراطية المسيطرة على القطب الواحد؟.
لا أقول لك وداعا يااخي الانسان لاني معك دائما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق